غزوة بدر الكبرى والدروس المستفادة

القائمة الرئيسية

الصفحات

غزوة بدر الكبرى والدروس المستفادة


غزوة بدر الكبرى والدروس المستفادة

غزوة بدر الكبرى والدروس المستفادة
غزوة بدر الكبرى والدروس المستفادة



أحداث غزوة بدر الكبرى

يتعرض هذا المبحث لأحداث غزوة بدر الكبرى بشكل مختصر، فتفاصيل المعركة لا يتسع المقام لذكرها(1) وقبل الخوض في تلك الأحداث، يحسن الوقوف عند مراحل تشريع الجهاد في الإسلام.

مراحل تشريع الجهاد:

وقعت معركة بدر الكبرى في العهد المدني، وقد مر الجهاد خلال بعثته صلى الله عليه وسلم بمراحل، وهذا عرض موجز لها(2):

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم، الدعوة إلى دين الله عز وجل في مكة، وكان أمر الله سبحانه وتعالى في تلك الفترة بكف الأيدي، والصبر، والعفو، والصفح، وجهاد المشركين بالدعوة، والقرآن، والحجة، قال تعالى: {كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ} [النساء: 77]، وقال: {قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ} [الجاثية: 14] وقال: {فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ} [الحجر: 85]، وقال: {فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً} [الفرقان: 52]، أي: بالقرآن(3).

ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة، وأمر أصحابه بالهجرة إليها، فأذن الله للمسلمين بالقتال دفاعًا عن النفس، ودَفْعًا للظلم، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، وقال: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

ثم جاء الأمر بقتال الكفار كافة؛ لتمكين العقيدة من الانتشار دون عقبات، ولصرف الفتنة عن الناس؛ ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادتهم، فيكون الدين كله لله، قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} [التوبة: 36]، وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ} [البقرة: 193]، وقال: {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]

تأريخ المعركة وموقعها:

وقعت معركة بدر في صبيحة يوم الإثنين(4) السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وبدر ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء، بينه وبين الجار؛ وهو ساحل البحر ليلة(5).

سبب المعركة وعدة الجيشين:

بعد الإذن بالجهاد في العهد المدني، بلغ المسلمون تحرك قافلة كبيرة تحمل أموالاً عظيمة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان، صخر بن حرب، فانتدب النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه للخروج، وتعجل بمن كان مستعدًا للخروج دون انتظار سكان العوالي لئلا تفوتهم القافلة، ولذلك لم يكن خروج المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية في معركة بدر، فهم خرجوا لأخذ القافلة، ولم يكن في حسبانهم مواجهة جيش قريش.

وقد خرج من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، منهم من الأنصار بضع وأربعين ومائتين(6)، ولم يكن معهم إلا فرسان(7)، وسبعون بعيًرا يتعاقبون على ركوبها(8).

وعلم أبو سفيان بخروج المسلمين لأخذ القافلة، فسلك بها طريق الساحل، وأرسل لاستنفار أهل مكة(9)، فاستعدت قريش للخروج دفاعًا عن قافلتها، وحشدت كل طاقتها، ولم يتخلف منهم إلا القليل، فقد رأت قريش في ذلك حطًا لمكانتها، وامتهانًا لكرامتها، وضربًا لاقتصادها، وبلغ عددهم نحوًا من ألف مقاتل، ومعهم مائتا فرس يقودونها(10).


ما قبل المعركة:

ظهرت الخلافات في جيش المشركين بعد نجاة القافلة بين مريد للعودة دون قتال المسلمين حتى لا تكثر الثارات بين الطرفين، وبين مصر على القتال كأبي جهل، وقد غلب رأي أبي جهل أخيرًا(11)، ولم يعد هدف قريش نجاة القافلة، بل تأديب المسلمين، وتأمين طرق التجارة، وإعلام العرب بقوة قريش وهيبتها.

ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة، وإصرار قريش على قتاله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه عامة، وقصد الأنصار خاصة فتكلم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، والمقداد بن عمرو من المهاجرين، فقالوا وأحسنوا، وفهم سعد بن رضي الله عنه عنه مراد النبي صلى الله عليه وسلم فقال وأحسن فسر النبي صلى الله عليه وسلم بقول سعد بن معاذ رضي الله عنه(12).

وصل المسلمون إلى بدر قبل المشركين، وأشار الحبُاَبُ بن المنذر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ماء بدر خلفه، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورته وأخذ برأيه(13).


 

وبين صلى الله عليه وسلم مصارع رجال من أهل بدر بأسمائهم، فقال: «هذا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا إن شَاءَ الله تَعَالى، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا إن شَاءْ الله تَعَالى»(14).

وأنزل سبحانه وتعالى النعاس والماء على المسلمين في الليلة التي كانت قبل يوم المعركة، قال تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ} [الأنفال: 11]، وبات صلى الله عليه وسلم يصلي إلى شجرة، ويدعو ربه حتى أصبح، فلما طلع الفجر صلى بالناس، وحرض على القتال(15).

في يوم المعركة:

في صبيحة يوم المعركة جعل صلى الله عليه وسلم جيشه في صفوف للقتال(16)، وبقي صلى الله عليه وسلم في قبة(17) -بمشورة سعد بن معاذ(18)– يدير المعركة، وجعل صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء ربه، حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُر} [القمر: 45]، 1845/4 ، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، 3/ 1384 .’](19).

ورمى صلى الله عليه وسلم المشركين في وجوههم بالحصى(20)، قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ} [الأنفال: 17]، فأثبت سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ابتداء الرمي، ونفى عنه الإيصال الذي لم يحصل برميه صلى الله عليه وسلم(21).

وبدأت المعركة بتقدم عتبة بن ربيعة، وتبعه ابنه الوليد، وأخوه شيبة طالبين المبارزة، فخرج لهم شباب من الأنصار، فرفضوا مبارزتهم طالبين مبارزة بني عمومتهم، فأمر صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنه، فقتل حمزة عتبة، وقتل علي شيبة، وأثخن عبيدة والوليد كل واحد منهما صاحبه، ثم مال علي وحمزة على الوليد فقتلاه، واحتملا عبيدة(22)، وتأثرت قريش بنتيجة المبارزة، وبدأت الهجوم.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه برمي المشركين بالنبل إذا اقتربوا من المسلمين ودنوا(23).

ثم التقى الجيشان في ملحمة كبيرة، وأمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالملائكة يوم المعركة، قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9-10]، وقال: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12]، وعن رفاعة بن رافع الزُّرَقِيِّ، قال: «جاء جِبرِيلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قال: من أَفْضَلِ المُسْلِمِينَ، قال: وَكَذَلِكَ من شَهِدَ بَدْرًا من المَلائِكَةِ »(24).

نتائج المعركة:

قتل من المشركين سبعون رجلاً(25)، منهم الذين بَبّنَ صلى الله عليه وسلم مصارعهم من أهل بدر بأسمائهم قبل المعركة، ما أخطأ أحد منهم الموضع الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم(26).

وكان من بين القتلى عدد من زعماء قريش، منهم: أبو جهل، عمرو بن هشام، قتله معاذ بن عمرو ابن الجموح، ومعاذ بن عفراء وهما غلامان(27)، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود(28)، وأمية بن خلف، قتله وابنه عليًا بلال بن رباح، مع فريق من الأنصار(29)، وغيرهم. وأمر صلى الله عليه وسلم بسحب قتلى المشركين إلى آبار ببدر، فألقوا فيها(30). وكان عدد الأسرى من قريش سبعون رجلاً(31).

وفر بقية المشركين، لا يلوون على شيء، تاركين وراءهم غنائم كثيرة في أرض المعركة.

ودفن صلى الله عليه وسلم شهداء المسلمين، وهم أربعة عشر شهيدًا(32).

وأقام صلى الله عليه وسلم في بدر ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث، أتى بئرًا فقذف فيها أربعة وعشرين من صناديد قريش، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، قائلاً: «يا فُلانُ بن فُلانٍ، وَيَا فُلانُ ابن فُلانٍ، أَيَ سر سُّركُمْ أَنَكُمْ أَطَعْتُمْ الله وَرَسُولَهُ؛ فإنا قد وَجَدْنَا ما وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا»(33). ولم يطلب صلى الله عليه وسلم قافلة أبي سفيان بعد المعركة.

الأسرى:

استشار صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، في الأسرى، فرأى أبو بكر، رضي الله عنه – مراعيًا القربى التي بينهم- أن يأخذ منهم الفدية حتى تكون لهم قوة على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام، ورأى عمر، رضي الله عنه، أن يضرب أعناقهم؛ لأنهم أئمة الكفر وصناديدها، فأخذ صلى الله عليه وسلم بمشورة أبي بكر، رضي الله عنه، فنزل القرآن مؤيدًا رأي عمر، رضي الله عنه؛ فعاتبهم الله عز وجل لتفضيل الفداء على معاقبة أئمة الكفر، وأحل لهم ما أخذوا من فداء(34).

وقد تباين فداء الأسرى، فجعل صلى الله عليه وسلم فداء من كان ذا مال أربعة آلاف درهم(35)، وفداء من لم يكن له مال تعليم أبناء الأنصار الكتابة(36)، ولم يكن هدفه صلى الله عليه وسلم في فداء الأسرى جمع المال، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لو كان مُطْعِمُ بن عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَ كَلَمَنِي في هَؤُلاءِ النتْنَى، لأَطْلَقْتُهُمْ له»(37)، ولم يحاب صلى الله عليه وسلم في فداء الأسرى، فقد استأذن رجال من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ترك فداء العباس، فأبى(38)، على الرغم من أنه أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه كان مسلما(39).

وأمر صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث بن كلدة(40)، فقد كانا من أئمة الكفر، ممن يؤذون المسلمين في مكة. واستوصى صلى الله عليه وسلم ببقية الأسرى خيرًا(41).

الغنائم:

لم ينزل بتوزيع الغنائم تشريع قبل معركة بدر، ولذلك حدث خلاف حولها، فقد أكبت طائفة على الغنائم، يحوونها ويجمعونها، وانطلقت طائفة أخرى في طلب العدو يلاحقونهم، وأحدقت طائفة ثالثة برسول الله صلى الله عليه وسلم، يحمونه، فادعت الأولى أنها أحق بالغنائم؛ لأنها جمعته، وادعت الثانية أنها أحق به؛ لأنها هزمت العدو، وادعت الثالثة أنها أحق به؛ لأنها اشتغلت بحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]، فقسمها صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء(42)، بعد أن أخرج الخمس من الغنيمة(43).

وقد ضرب صلى الله عليه وسلم لتسعة من الصحابة لم يحضروا الغزوة لأعمال كلفهم بها، ومنهم: عثمان بن عفان، رضي الله عنه(44).

وذهب الخلاف وتلاشى بعد بيان حكم الغنائم، وثاب الناس إلى طاعة الله ورسوله.

وقع المعركة:

تلقى المسلمون في المدينة الخبر بالبشارة والفرح الغامر، مع الحذر ألا يكون الخبر صادقًا؛ كما حدث مع أسامة بن زيد، رضي الله عنه، حين قال: « فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى »(45)، وعلت الدهشة وجوههم، فكيف هزمت قريش، وقتل زعماؤها، وتحطم كبرياؤها، وذلك كما حدث مع سودة بنت زمعة، رضي الله عنها، حين لم تتمالك نفسها لما رأت سهيل بن عمرو مجموعة يداه إلى عنقه(46).

وأما قريش في مكة فلم تكد تصدق ما حدث لها، فقد أصاب ساداتها وأبطالها القتل والأسر، ولكنها تجلدت، ومنعت البكاء والنياحة على قتلاها حتى لا يشمت بهم المسلمون(47)، وصممت على الانتقام والثأر، فأرسلت عمير بن وهب الُجْمَحِيَّ لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن وعده صفوان بن أمية بإعالة أهله إن قتل، لكن خطتهم باءت بالفشل، وأسلم عمير بن وهب، رضي الله عنه(48)، وكذلك اشترت قريش اثنين من أسرى المسلمين، وهما حبيب الأنصاري وزيد بن الدثنة، رضي الله عنهما، فقتلتهما(49).

آثار المعركة:

كان لموقعة بدر آثار كثيرة، منها:

1. تعتبر موقعة بدر رغم صغر حجمها معركة فاصلة في تاريخ الإسلام، ولذلك سماها الله عز وجل بيوم الفرقان، قال تعالى: {وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41]، ففرق بها سبحانه بين الحق والباطل؛ فأعلى فيها كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه، ونصر نبيه وحزبه(50).

2. ظهر في هذه الموقعة استعلاء العقيدة الإسلامية على سائر المصالح والمطامع الدنيوية، فقد أعلن الأنصار طاعتهم وتضحيتهم من أجل عقيدتهم، لا تحدهم العهود التي قطعوها في بيعة العقبة الثانية، وواجه المهاجرون أقاربهم في المعركة؛ فقاتل الابن أباه، والأخ أخاه، ولم تمنعهم أواصر القربى من قتلهم، أو محاربتهم؛ لأن العقيدة فوق كل علاقة وارتباط.

3. نال المسلمون المشاركون في معركة بدر مغفرة الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَ الله اطَلَعَ على أَهْلِ بَدْرٍ فقال: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ »(51)، واستحقوا المنزلة الرفيعة والتقدير الكبير، ولازمهم وصف «البدريون»، وكونوا الطبقة الأولى من الصحابة، واحتلوا أوائل التراجم في كتب الطبقات، وأعطاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعلى العطاء، فنالوا التكريم الأدبي والمادي.

4. علت أصداء موقعة بدر المدينة، ومكة، وأرجاء الجزيرة العربية، واستعلى المسلمون في المدينة على اليهود وبقايا المشركين، مما أغاظهم، وأظهر أحقادهم، واندفع اليهود نحو العدوان، فأدى ذلك إلى إجلاء بني قينقاع عن المدينة.

5. دخل الكثيرون في الإسلام، ودخل بعضهم حماية لمصالحه، بعد رجحان كفة المسلمين، فبدأ نشأة جبهة المنافقين، وكان على رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول.

 الدورس المستفادة من غزوة بدر الكبرى فى عدة عوامل التالية :


أولاً: صدق الصحابة في موالاتهم للمؤمنين، ومعاداتهم للكافرين، وقد ظهر ذلك في غزوة بدر، عندما قتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه، وهَمّ أبو بكر بقتل ابنه عبد الرحمن، وقتل حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث أبناء عمهم عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وذلك في المبارزة، قال تعالى: ﴿ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللّـهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

 

ثانياً: نبه الله المؤمنين إلى حقيقة هامة، وهي أن لا يجعلوا حب المال يسيطر عليهم عند النظر في قضاياهم الكبرى التي قامت على أساس النظرة الدينية وحدها، مهما كانت الحال والظروف، ولذا عالج الله تجربة رؤية الغنائم مع الحاجة والفقر، واختلافهم فيها، ومسألة الأسرى بوسائل تربوية دقيقة، كما في قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1].

 

وقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67].

 

ثالثاً: أن الدعاء من أعظم أسباب النصر على الأعداء، قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].

 

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه ويستغيث به كلما نزل به كرب أو شدة، كما حدث في غزوة بدر.

 

رابعاً: أن الإيمان والعمل الصالح من أعظم أسباب النصر؛ ولذلك وعد الله المؤمنين الصالحين بالنصر في غير آية من كتاب الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

 

خامساً: أن التوكل على الله من أعظم أسباب النصر، قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

 

وهذا ما حصل في غزوة بدر، فإن الصحابة على قلة عددهم وعُددهم مقابل عدوهم إلا أنهم توكلوا على الله، وقاتلوا فنصرهم الله، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].

 

سادساً: أن الجهاد من أفضل الأعمال، وهو ذروة سنام الدين، لما يترتب عليه من إعلاء كلمة الله، ونصر دينه، وقمع الظالمين والمنافقين الذين يصدون الناس عن سبيله، ويقفون في طريقه، ولما يترتب عليه من إخراج العباد من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد.

 

سابعاً: أن لزوم طاعة الله ورسوله، والابتعاد عن المعاصي وترك التنازع من أعظم أسباب النصر، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوجه أصحابه بأن لا يفعلوا أمراً حتى يخبروه بذلك، كما في حديث عمير بن الحمام: "لا يقدمن أحدكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه"[1]، وكان الصحابة يمتثلون أوامر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وينفذونها بكل دقة.

 

ثامنًا: أن لزوم طاعة الأمير أو القائد، وعدم الاختلاف عليه من أعظم أسباب النصر، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو الرسول، وهو القائد، وكانوا يطيعونه فيما يأمرهم به كما تقدم.

 

تاسعاً: أن الاختلاف والتنازع من أسباب الفشل والهزيمة أمام العدو، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن المشركين قبل بدء القتال حصل بين قادتهم خلاف كان سبباً لضعف العزائم والهمم، وبالتالي إلى الهزيمة، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].

 

عاشراً: أن العداوة والإحن التي كانت بين الأنصار من الأوس والخزرج قد زالت بوصول النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فصاروا – رضي الله عنهم - يداً واحدة ضد المشركين واليهود، قال تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63].

 

الحادي عشر: إن الإخلاص والصدق من أسباب النصر على الأعداء، قال تعالى: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ  [الحج: 40].

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

 

وفي الصحيحن من حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"[2].

 

وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن المؤمنين لما صدقوا مع الله، وأخلصوا له كان النصر حليفهم.

 

الثاني عشر: في وقوف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فم القليب ينادي قتلى المشركين، ويكلمهم بعدما ماتوا، وفيما قاله لعمر- رضي الله عنه - إذ ذاك دليل واضح على أن للميت حياة روحية خاصة به، فقد ثبت بالكتاب والسنة عذاب القبر ونعيمه، وأن الميت إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، أنه يسمع قرع نعالهم، غير أن ذلك كله إنما يخضع لموازين لا تنضبط بعقولنا، وإدراكنا الدنيوية هذه، إذ هو ما يسمى بعالم الغيب البعيد عن مشاهداتنا، وتجاربنا العقلية والمادية، فطريق الإيمان بها إنما هو التسليم لها بعد أن وصلتنا بطريق ثابت صحيح[3].

 

الثالث عشر: أن الله تعالى قد يعين المؤمنين في قتال أعدائهم ببعض الكرامات، إذا صدقوا معه، كما حدث في غزوة بدر من نزول الملائكة، وحدوث النعاس، وإنزال المطر، وقذف الرعب في قلوب عدوهم، وغيرها من المعجزات والكرامات.

 

الرابع عشر: أن الكرامات التي حصلت لبعض الصحابة في غزوة بدر، كأبي بكر، وعلي، وعمر، وغيرهم، إنما هو دليل على فضلهم ومكانتهم عند الله تعالى.

 

الخامس عشر: على القائد أن يكون قريباً من جنوده، يحثهم ويشجعهم على القتال، ويكثر من الصلاة والدعاء لهم بالنصر، ويقاتل معهم كأحد الجنود، وهذا هو حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر.

 

السادس عشر: أن الله تعالى يجيب دعوة المؤمنين إذا استغاثوا به، وهم في كرب مع عدوهم، فإن الله تعالى أمدهم بالملائكة، وأنزل عليهم النعاس، وغير ذلك كما حدث في غزوة بدر. قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].

 

وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

 

السابع عشر: أن الله تعالى يقدر الأمور وييسرها من غير ترتيب مسبق بين المؤمنين وأعدائهم، وهذا كله من أجل نصرة دينه، وخذلان أعدائه بالقتل والأسر، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن الله تعالى جمع المؤمنين بأعدائهم الكافرين من غير موعد لذلك، ليهلك من هلك من الكافرين عن بينة وحجة، ويعيش من يعيش منهم وقد أقيمت عليه الحجة.

 

الثامن عشر: أن الشيطان يحسن للإنسان المعاصي، ويزينها له، فإذا وقع فيما يريد تخلى عنه، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن الشيطان زين لكفرة قريش الخروج لحرب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم تولى عنهم، قال تعالى:﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48].

 

التاسع عشر: أن المنافقين في كل زمان ومكان يكيدون للإسلام وأهله، ويدبرون المكائد، ويسخرون من المؤمنين، ويستهزئون بدينهم، قال تعالى: ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 49].

 

العشرون: أن الله تعالى يعوض المؤمن ويخلف عليه في ماله، إذا علم منه الصدق وحب الخير، فهذا ما حدث في قضية العباس ومن معه من الأسرى في غزوة بدر، فإن الله أخلف على العباس فيما دفعه من الفداء كما تقدم، ووعدهم سبحانه بالمغفرة في الآخرة. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70].

 

الحادي والعشرون: أن الكفر والمعاصي سبب لزوال النعم، وحصول النقم، فإن قريشاً لما كفروا نعمة الله بإرسال هذا النبي الكريم إليهم فكذبوه وعادوه، عاقبهم الله في غزوة بدر بالقتل والأسر، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28].

 

روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس- رضي الله عنه - قال: ﴿ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً ﴾، قال: هم والله كفار قريش، قال عمرو: هم قريش، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- نعمة الله، ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ قال النار، يوم بدر"[4].

 

الثاني والعشرون: أن قريشاً قد أصيبت بعقوبات كثيرة قبل غزوة بدر، فأصابهم قحط، وجهد، حتى أكلوا العظام، لكن ذلك لم يجد فيهم شيئاً، فاستمروا على شركهم وضلالهم، حتى كانت وقعة بدر، فبطش الله بهم البطشة الكبرى.

 

الثالث والعشرون: أن أعداء الإسلام من المشركين والمنافقين وغيرهم، لا يألون جهداً في قتال المسلمين وسحقهم، ووضع الخطط والمكائد لضرب الإسلام وأهله، وقد أشار الله إلى ذلك بقوله: ﴿ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217].

 

الرابع والعشرون: أن الصحابة رضي الله عنهما قدموا أنفسهم وأموالهم فداء لهذا الدين، ولا أدل على ذلك من المهاجرين الذين تركوا أموالهم في مكة، وهاجروا بدينهم إلى المدينة، وبذلوا نفوسهم رخيصة في معركة بدر، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى حالة فقرهم الشديدة قال: "اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وعراة فاكسهم، وحفاة فاحملهم...الحديث"[5].

 

وصدق الله إذ يقول: ﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23].

 

الخامس والعشرون: الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين، وقد حث الله ورسوله عليهما، وقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً لأصحابه عندما قال حذيفة ابن اليمان وأبوه للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه الخبر، فقال: "انصرفا، نَفِي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم"[6].

 

السادس والعشرون: حرص الكفار على الحياة، وحبهم لها، قال تعالى: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 96].

 

ولذلك لما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتل بعض الكفار في غزوة بدر، كأُمية ابن خلف، وعقبة بن أبي معيط، خافوا على أنفسهم من القتل، فلم يخرجوا إلا بحيلة من أصحابهم.

 

السابع والعشرون: أن بعض الكفار لهم مواقف عظيمة نصروا فيها الإسلام والمسلمين، كحال البختري بن هشام، فإنه كان أكف القوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة، وكان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام بنقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم، وبني المطلب. وكحال المطعم بن عدي، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل بجواره عند رجوعه من الطائف.

 

الثامن والعشرون: إرسال البشير ليخبر بالخبر السار، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد انتصاره في غزوة بدر أرسل عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة ليبشرا الناس بالنصر.

 

التاسع والعشرون: أن من حكمة الله تعالى أنه قد يذل الكفار بالقتل أو الأسر على أيدي المسلمين، وذلك ما حصل في غزوة بدر، فقد قتل سبعون من المشركين، وأسر سبعون، قال تعالى: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 14].

 

الثلاثون: أن الغدر والخيانة من صفات الكفار، وذلك كما جاء في قصة بئر معونة، فإن هؤلاء الكفار أعطوا الأمان للصحابة رضي الله عنهم فلما تمكنوا منهم غدروا بهم، وباعوا زيداً وخبيباً؛ لأنهما قتلا بعضاً من قادة




هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

Find a sponsor for your web site. Get paid for your great content. shareasale.com.
التنقل السريع